الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ومن أحْسن ما قيل في هذا المعنى قولُ زهَير: وقال عليُ رضي الله عنه: العقْل في الدماغ، والضحَك في الكَبد، والرَّأْفة في الطحال، والصَّوت في الرئة.وسئِل المُغيرة بن شعْبة عن عُمَر بن الخطاب رضوان الله عليه فقال: كان واللّه أفضلَ من أن يَخدع، وأعقلَ من أن يُخدع، وهو القائل: لستُ بِخَبٍّ والِخَبُّ لا يَخدعني.وقال زياد: ليس العاقلُ الذي إذا وَقَع في الأمْر احتال له، ولكنّ العاقل يَحْتال للأمر حتى لا يقع فيه.وقيل لعَمْرو بن العاص: ما العَقْل؟ فقال: الإصابةُ بالظَّن، ومَعْرفة ما يكون بما قد كان.وقال عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه: مَنْ لم يَنْفعه ظنّه لم ينفعه يَقِينه.وقال عليُ بن أبي طالب رضي الله عنه، وذَكَر ابن عبِّاس رضي الله عنهما فقال: لقد كَان ينظُر إلى الغَيْب من ستر ْرقيق.وقالوا: العاقل فَطِن مُتغافل.وقال مُعاوية: العَقْل مِكيال ثُلُثه فِطْنة وثلثاه تغافل.وقال المُغِيرة بن شُعْبة لعُمَر بن الخطاب رضي الله عنه إذ عَزَله عن كتابة أبي مُوسى: أعَن عَجْز عَزَلْتَني أم عن خِيانة؟ فقال: لا عن واحدة منهما، ولكني كرِهْت أن أحمل على العامة فَضْلَ عقلك.وقال مُعاوية لعَمْرو بن العاص: ما بَلَغ من عَقْلك؟ قال: ما دخلتُ في شيء قَط إلا خَرجتُ منه؟ فقال مُعاوية: لكنّي ما دخلتُ في شيء قطُ أريد الخُرُوجَ منه.وقال الأصمعيُ: ما سَمِعتً الحسن بنَ سهل مُذْ صار في مَرْتبة الوزارة يتَمثّل إلاّ بهذين البيتين: وقال محمدُ بنُ عبد الله بن طاهر، ويرْوي لمحمود الورّاق: وقال محمد بنُ مُناذر: ولآخر: وكان هَوْذة بن عليّ الحَنفيّ يُجيز لَطِيمة كِسْرِى في كلِّ عام- واللِّطِيمة عِير تَحْمِل الطِّيبَ والبَزّ- فوفَد على كِسرى، فسأله عن بَنِيه، فسمَّى له عددًا؛ فقال: أيهم أحب إليك؟ قال: الصَغير حتى يَكْبُر، والغائبُ حتى يرْجِع، والمَريض حتى يُفيق؟ فقال له: ما غِذاؤك في بلدك؟ قال: الخُبز؛ فقال كسرى لجلسائه: هذا عَقْل الخبز، يُفضِّله عَلَى عُقول أهل البَوادي الذين غِذَاؤهم اللَّبن والتمر.وهوذة بن علي الحنفي هو الذي يقول فيه أعشى بكر: وقال أبو عُبَيدة عن أبي عمرو: لم يَتَتوّج مَعدِّيّ قطُّ، وإنما كانت التِّيجان لليمن، فسألتُه عن هوذة بن عليّ الحنفي، فقال: إنما كانت خَرَزات تُنظم له.وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هَوْذة بن عليّ يدْعوه إلى الإسلام كما كتب إلى الملوك.وفي بعض الحديث: إنَّ الله عزَّ وجلّ لما خلق العقل، قال: أقْبِل، فأقْبل، ثم قال له: أَدْبِر، فأدبر. فقال: وعزَّتي وجَلالي ما خلقتُ خَلْقًا أحبَّ إليَّ منك ولا وَضَعتُك إلا في أحَبِّ الْخَلْق إلي.وبالعقل أَدْرك الناس معرفةَ الله عزَّ وجلّ، ولا يشُكّ فيه أحدٌ من أهل العقول، يقول الله عز وجلّ في جميع الأُمم: {وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنّ اللّهُ}. وقال أهلُ التفسير في قول الله: {قسَم لِذِي حِجْر} قالوا: لذي عَقل.وقالوا: ظنُّ العاقل كهانة.وقال الحسنُ البَصْريّ: لو كان للناس كلِّهم عُقول خَرِبت الدنيا.وقال الشاعر: وقالوا: العاقل يَقِي مالَه بسُلْطانه، ونَفْسَه بماله، ودينه بنَفْسه.وقال الأحْنف بن قيْس؛ أنا للعاقل المدبر أرْجى منِّي للأحْمق المقبل.قال: ولما أهْبط الله عز وجلّ آدمَ عليه السلام إلى الأرض، أتاه جبْريل عليه السلاٍم، فقال له: يا آدم، إنّ الله عزّ وجلّ قد حَبَاك بثلاث خصالٍ لتختارَ منها واحدة وتَتَخَلى عن اثنتين، قال: وما هنَّ؟ قال: الحياء والدِّين والعَقْل. قال آدم: اللّهم إنَي اخترت العقلَ. فقال جبريلُ عليه السلامُ للحياء والدين: ارتفِعَا؟ قالا: لن نَرتفع؟ قال جبريلُ عليه السلام: أعَصَيتُما؟ قالا: لا، ولكنا أمرْنا أن لا نُفارق العقلَ حيث كان.وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تَقْتدوا بمن ليست له عُقْدة».قال: وما خَلق الله خَلقًا أحبَّ إليه من العقل.وكان يقال: العقل ضربان: عَقْل الطبيعة وعقل التَّجْربة، وكلاهما يُحتاج إليه ويؤدَي إلى المنفعة.وكَان يُقال: لا يكون أحدٌ أحب إليك من وَزِيرٍ صالح وافِر العقل كامِل الأدب حَنيك السن بَصير بالأمور، فإذا ظَفِرْتَ به فلا تُباعِدْه، فإنَّ العاقلَ ليس يمانِعك نَصِيحَته وإن جَفَتْ.وكان يقال: غَرِيزة عقل لا يَضِيعِ معها عَمَل.وكان يقال: أجَل الأشياء أصلاَ وأحْلاها ثمرةً، صالحُ الأعمال، وحُسن الأدب، وعقل مُسْتَعمل.وكان يقال: التجاربُ ليس لها غاية والعاقلُ منها في الزَيادة. ومما يُؤكَد هذا قولُ الشاعر: ومكتوب في الْحِكمة: إنَّ العاقلَ لا يغترَّْ بمودَّة الكَذوب ولا يثِق بنَصيحته ويُقال: مَن فاته العقلُ والفُتوَّة فرَأْسُ مالِه الجَهْلُ.ويُقال: من عَير الناسَ الشيءَ ورَضِيه لنفْسه فذاك الأحْمق نفسُه.وكان يقال: العاقلٍ دائمُ المودَة، والأحمق سَريع القطِيعة.وكان يقال: صَديق كل امرئ عقله وعدوُه جَهْله.وكان يقال: المعْجبِ لَحُوح والعاقلُ منه في مَؤُونهَ. وأمَا العُجْب فإنه الجَهْل والكِبر.وقيل: أعلى الناس بالعَفْو أقدرُهم على العُقوبة، وأنْقص الناس عقلًا مَن ظَلم من هو دونه.ويقال: ما شيء بأحسنَ من عَقْل زانه حِلْم، وحِلْم زانه عِلم، وعِلم زانه صِدْق، وصِدْق زانه عَمَل، وعَمَل زانه رِفْق.وكان عمر بن الخطّاب رضيِ الله عنه يقول: ليس العاقلُ من عَرف الخير من الشر، بل العاقلُ مَن عرف خَير الشرّين ويقال: عدوٌ عاقل أحب إلي من صديقٍ جاهل.وكان يقال: الزم ذا العقل وذا الكرم واسترسل إليه، وإياك وفراقه إذا كان كريمًا، ولا عليك أن تصحب العاقل وإن كان غير محمود الكرم، لكن احترس من شين أخلاقه وانتفع بعقله، ولا تدع مواصلة الكريم وإن لم تحمد عقله، وانتفع بكرمه وانفعه بعقلك، وفر الفرار كله من الأحمق اللئيم.وكان يقال: قطيعة الأحمق مثل صلة العاقل.وقال الحسن: ما أودع الله تعالى أمرأ عقلًا إلا استنقذه به يومًا ما.وأتى رجلٌ من بني مجاشع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ألست أفضل قومي؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن كان لك عقل فلك فضل، وإن كان لك تقي فلك دينٌ، وإن كان لك مالٌ فلك حسب، وإن كان لك خلق فلك مروءة.قال: تفاخر صفوان بن أمية مع رجل، فقال صفوان: أنا صفوان بن أمية، بخٍ بخٍ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ويلك! إن كان لك دين فإن لك حسبًا، وإن كان لك عقل فإن لك أصلًا، وإن كان لك خلق فلك مروءة، وإلا فأنت شرٌ من حمار.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كرم الرجل دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه».وقال: وكل الله عز وجل الحرمان بالعقل، ووكل الرزق بالجهل، ليعتبر العاقل فيعلم أن ليس له في الرزق حيلة.وقال بزرجمهر: لا ينبغي للعاقل أن ينزل بلدًا ليس فيه خمسة: سلطان قاهر، وقاضٍ عدل، وسق قائمة، ونهرٍ جارٍ، وطبيب عالم.وقال أيضًا: العاقل لا يرجو ما يعنف برجائه، ولا يسأل ما يخاف منعه، ولا يمتهن ما لا يستعين بالقدرة عليه.سئل أعرابي: أي الأسباب أعون على تذكية العقل وأيها أعون على صلاح السيرة؟ فقال: أعونها على تذكية العقل التعلم، وأعونها على صلاح السيرة القناعة.وسُئل عن أجود المواطن أن يُخْتبر فيه العقل، فقال: عند التّدْبير.وسُئِل: هل يَعمل العاقلُ بغير الصَّواب؟ فقال: ما كلّ ما عُمِل بإذن العقل فهو صواب.وسُئل: أيُّ الأشياء أدلُّ على عَقل العاقل؟ قال: حُسن التَّدْبير.وسُئل: أي مَنافع العقل أعظم؟ قال: اجتنابُ الذّنوب.وقال بُزُرْجَمهِر: أفْره ما يكونُ من الدّوابّ لا غِنى بها عن السَّوْط، وأَعفُّ مَن تكون منِ النساء لا غِنى بها عن الزًوْج، وأَعْقل من يكون من الرِّجال لا غِنى به عن مَشورة ذوِي الأَلباب.سُئل أعرابيّ عن العقل متى يُعرف؟ قال: إذا نَهاك عقلُك عمّا لا يَنْبغي فأنت عاقل.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: العَقْل نُور في القْلب نُفرِّق به بين الحقّ والباطل، وبالعَقْل عُرِف الْحَلال والْحَرام، وعُرِفَت شَرائع الإسلام ومَواقع الأحكام، وجَعَله الله نُورًا في قُلوب عِبَاده يَهْديهم إلى هُدًى ويَصُدُّهم عن رَدى.ومِن جَلالة قَدْر العَقْل أنَّ اللهّ تعالى لم يُخاطب إلا ذَوي العُقول فقال عزَّ وجلّ: {إنما يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَاب}. وقال: {لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا}. أي عاقلا، وقال: {إِنّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لمَنْ كَانَ لهُ قَلب}. أي لمن كان له عَقل. اهـ.
|